ممارسة النقد في الحقل الثقافي

 

المادة: ممارسة النقد في الحقل الثقافي

Pratique de la critique dans le champ culturel

 في إطار مادة "ممارسة النقد في الحقل الثقافي" كان علينا البحث في موضوع النقد وخاصّة في مجال الفنون التشكيليّة وبالتحديد في تونس، وكانت لي لقاءات كثيرة عابرة مع عدّة فنانين تشكيليين من خلال مشاركاتي في تظاهرات ثقافيّة في الجامعة أو في دور الشباب وأيضا من خلال زياراتي لبعض المعارض. وأثناء هذه المناسبات جلب انتباهي الفنان التشكيلي الصّادق بن تركية، فتابعت نشاطه.

عديدة هي الأسباب التي جعلتني اختار التواصل مع الفنان التشكيلي الصادق بن تركيّة، فهو خريّج المعهد التكنولوجي للفنون والهندسة المعماريّة والتعمير بتونس ITAUT (المعهد العالي للفنون الجميلة بتونس حاليّا) سنة 1996، أين درس وتكوّن على يد أساتذة وفنانين تونسيين وأجانب نذكر على سبيل الذكر لا الحصر: الحبيب بيده، خليفة شلتوت، محمد بن مفتاح، سمير التريكي، فيتشكوفا، ميشلين الحمروني، حمادي محفوظ، حمادي الدليمي، رفيق الكامل، الناصر بن الشيخ. وتخصّص في فنّ النحت وكان طالبا لعبد العزيز كريد وعمر بن محمود.

حاليّا، الصادق بن تركيّة مدرّس وباحث جامعي أكاديمي، متحصّل على الماجستير بحث ودكتوراه في علوم وتقنيات الفنون. وعلاوة على انّه ناشط في المجال العلمي من خلال مداخلات ومقالات ولقاءات اعلاميّة، فإنّه ناشط في المجال البيداغوجي حيث عمل وترأس مختلف اللجان البيداغوجي والعلمية على مستوى الأستاذية سابقا والإجازة والماجستير حاليّا، ولعلّ آخر مهامه الإداريّة رئيس قسم الفنون التشكيليّة.

ومن جهة ثانية، وإضافة إلى كلّ ذلك، فانّه مكلّف بالنشاط الثقافي الجامعي منذ 2001، وهو حاليّا رئيس جمعيّة "ثقافة وفن بالمعهد العالي للفنون الجميلة بنابل ". أمّا خارج الجامعة، فإنّ الفنان ناشط جمعياتي في المجال الثقافي الفنّي وعضو ومؤسس للعديد من جمعيات ومهرجانات في الفنون التشكيليّة من بينها تأسيس جمعيّة قليبية للفنون التشكيلية (2012). وفي هذا الاطار قام بالعديد من الأنشطة الثقافية وأشراف على تظاهرات وتأطير ورشات عمل مفتوحة في مجال الفنون التشكيليّة بالخصوص.

ومن خلال ما تقدّم، فإنّني رأيت بأنّه من المهم جدّا التواصل عن قرب مع هذه الشخصيّة، في تقاطع النشاط الثقافي والعلمي والبيداغوجي وخاصّة الربط بين الثقافي-الجامعي، حيث تمّ اللقاء به وكان الحوار التالي:

1)           س/  مكانتك كفنّان: هاوٍ أم محترف؟

Positionnement de l’artiste : Amateur ou Professionnel ?

ج/  فنّان تشكيلي محترف، انخرطتُ منذ كنت طالبا في النشاط الثقافي، إلى أصبحت فنانا تشكيليّا محترفا ومنخرطا باتحاد الفنانين التشكيليّين التونسيين، وقد أقمتُ معارض شخصيّة وشاركت في العديد من المعارض التشكيلية الجماعيّة متواصلة منذ 1997، كما أنّ لي مشاركات عديدة في مهرجانات وتظاهرات محلّيّة وأخرى ذات صبغة دوليّة. وفي تجارب فنيّة أخرى المتمثلة أساسا في إنجاز عدة مشاريع فنيّة مع مؤسسات الدّولة.

 2)           س/  ما هو تيار الفكر الفني الذي تنتمي إليه؟ / أيهما الأفضل لديك إنْ كان هناك العديد؟

Quels est le courant de pensée artistique qui l'appartient ?

Lequel qui le veut le plus s’il y a plusieurs

 

ج/ في الحقيقة ليس لي انتماءا مباشرا لتيّار فنّي معيّن، ربّما يعود ذلك الى تدريسي لتقنيات الفنون التشكيلية التي أعود من خلاله الى الحضارات القديمة للفنون وأيضا وبحكم تدريسي لمواد نظرية من قبيل "تاريخ الفن" و"الاستيطيقا" التي تجعلني استطلع في كلّ مرّة على تيارات كلاسيكية ومعاصرة وحديثة وهي التي تعتبر معين مرجعي استشعر اثارها جماليّا.

لكن في المقابل، وعن تجاربي الفنّيّة، فإنّني أميل إلى التيارات الفنيّة الحديثة والمعاصرة عموما بالربط مع توجّهي البحثي الذي اشتغل عليه والذي يرتكز على الرؤى الجمالية المعاصرة من خلال المفردة التشكيلية والفضاء وفنّ التنصيب.

وعوما، فالاسلوب تفرضه زمنية انشاء العمل والفكرة، والكيفية التعبيرية، لذلك لا اتقيّد بأسلوب فنّي واحد واعمالي تراها مختلفة على مستوى الأساليب لكنّا مشدودة برابط فنّي أحاول التخصّص فيه.

 3)           س/  ما هي اللوحات المفضلة لديك في المعرض؟

Quelles sont vos peintures préférées dans l’exposition ?

ج/ اخيرا، كانت لي الفرصة لزيارة المعرض السنوي لاتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين، وخاصة الجزء الرابع والاخير الذي التئم بفضاء كنيسة "سانت كروا" بالعاصمة. وفي نفس الفترة معرض الفن المعاصر والحديث بقصر خير الدين باشا بالعاصمة من تنظيم اتحاد الفنانين كذلك.

وفي الحقيقة أسئلة كثيرة خاطرت ببالي، من بينها تزامن معرضين لنفس المنظّم وهو ما يشتت انتباه المتلقّي لانّه من المفروض ان يأخذ المعرض الحيّز الزمني منفردا به حتّى يبرز بالاعمال المشاركة تفاديا للخلط خاصة في عناوين المعرضيْن.

ومن ناحية ثانية، فالتوجهات العامة متقاربة بل هي متداخلة الشيء الذي يجعل نفس التوجهات المتواجدة في الرواقيْن.

ومن ناحية اخرى، فانّه وكالعادة نجد الاعمال الفنّيّة في التصوير (peinture) بكثرة بل بشكل لافت مقارنة بالنحت والحفر والخزف، وهنا ربما تكون من الأسباب ان الإمكانات الماديّة في اختصاص التصوير تبقى في متناول كلّ فنان تشكيلي مقارنة باختصاصات أخرى التي يستوجب فيها العمل الى إمكانات ماديّة كبيرة، وربّما أيضا ينظر الفنّان بانّ لجنة الشراءات تميل الى اقتناء اللوحات الفنية بسهولة حملها وتسويقها.

امّا إجابة على سؤالك، فانّي احترم كلّ الأنماط التشكيليّة ولا اخفي إعجابي او الذي يشدّ انتباهي العمل الجديد والمتجدّد والابتكاري من حيث الفكرة او التقنية او المادة او طريقة العرض والتنصيب. واعتذر عن ذكر الاعمال، لانّ ما تختاره لجنة الشراءات يختلف أحيانا عن رؤى الفنانين، بل في الكثير من الأحيان لا تنجو هذه اللجان من النقد والانتقاد.

فلجنة الشراءات ليست ميزان يستميل الى اهواء المشاركين، فاكيد هنالك ضوابط تعود اليها في تقييمها واختياراتها.

 4)           س/  كيف ساهم النقد الفني في تجربتك؟

Comment la critique d'art a-t-elle contribué à ton expérience ?

 

ج/ لاشكّ أنّ النقد جزء من العمليّة الفنّيّة وكلّ نتاج مقدّم ومعروض إمام جمهور فانّه قابل للتقييم والرفض أو القبول. وأنا شخصيّا واقعيّ واعتبر أنّ النقد طريقة للتعلّم والنمو وتطوير النشاط الذي أقوم به، وذلك عندما يكون النقد بنّاءً ويبقى في مساري الفنّي عندما يدفعني لمزيد البحث والعمل والإنتاج الفنّي.

لكن الامر في تونس بعيد كل ذلك، اذ ليس لنا رؤى نقدية متخصّصة، رغم المحاولات التي يقوم بها بعض الصحفيين المهتمين بالشأن الثقافي والتي لا تعتبر نقدا فنيّا خالصا لانّها تبقى من باب التعريف بالفنان او تقدير مسيرة فنان ما أو تشجيعا لفنان ناشئ. او نجد المدرسين الباحثين يتطرقون في تدريسهم للطلبة الى تجارب فنانين تونسيين لكم يبقى الامر نسبي. ومن جهة اخرى نجد في البحوث التي يقوم بها الطلبة الباحثين على مستوى ماجستير بحث والدكتوراه لكنها تبقى دراسات من منظور بحثي. فمن الضروري ان يولوا اهل الاختصاص في ادارة الفنون التشكيليّة هذا الامر الاهتمام الكبير حتى تساهم لجان النقد في النهوض فعلا بالقطاع بموضوعيّة.

فالنقد الموضوعي يكون ممارسه حرّا من كلّ ضغوطات واستمالة، وبالتالي فانّه يتعامل مع العمل الفنّي ككيان مستقل، لذلك تراني اجتهد أثناء إنجاز عملي الفنّي، واعمل على التعبير عن هواجسي الحسية وإخراج أفكاري للواقع. فالعمل الفني يبقى في النهاية موجه للمتلقّي وهو المقدّر الحقيقي لمدى قبوله وتبنّيه أو رفضه وإقصائه، وأمام ذلك فانّه مهما كانت درجة النقد فإنّها تزيدني ثقة بالنفس وإيماني بما أقوم به لأنّي من خلال النقد أقوم بتحديد مستواي وقيمة عملي الفنّي الذي اجتهد دائما لتطويره وإثراءه.

 5)           س/  كيف تتصور مستقبلك الفني؟

Comment l'artiste envisage-t-il son avenir artistique ?

 

الحقيقة العمل الفنّي في تونس مرهق نوعا ما، يتطلّب الكثير من العمل والصبر والاستمراريّة ومجابهة الصعوبات خاصة منها غلاء المواد الأساسية للعمل الفني مهما كان الاختصاص. صحيح انّ وزارة الثقافة تقدّم منح دعم في شكل مصادقة على ملفات يقدمها فنانون، لكن في الحقيقة سبقى هذا السعي غير كاف، فقليلون هم الفنانين في تونس من لديهم مرسم خاص، وفي أحيانا أخرى يجد صعوبة للسفر لتلبية دعوة مشاركة في ملتقى.

لديّ مشاريع واحلم بتحقيق جزء منها، وها نحن نناضل في سبيل الفن. وككل ايّ فنان، فإنني أحاول العمل والعمل أكثر، فانّي اعمل على المشاركة في تظاهرات ثقافيّة والاستمرار في العمل لأكون دائما حاضرا في المعارض الجماعيّة. لي بعض المشاريع الخاصّة التي اشتغل عليها هذه الأيام بالتوازي مع التزاماتي مع مهرجانات وملتقيات.

 

6)           س/ ما هي، حسب رأيك، شروط الفنان؟

Quelles sont, selon lui, les conditions pour qu'un artiste ?

 

ج/  العمليّة الفنّيّة ليست خدمة تحت طلب والعمل الفنّي إفراز شواغل ورؤى فنّان مشحون بطاقة ابداعيّة  فاعلة، ولذلك فانّه من الضروري الوثوق في ما يقوم به خلال العملية الابداعيّة والانتشاء بها. وصفة "فنّان" تنعت عادة على شخص يمارس فنّا بعد تجربة طويلة نوعا ما لترسّخه في عالم الفن، ولذلك فثمّة سمات معينة لشخص يرغب في أن يقتم غمار الفن، وتساهم هذه السمات على تطوير منتجاته الفنية وتثبيت اسمه كـ"فنّان".

-      ومن بين هذه الصفاة نجد "الصبر"، لانّ العمل الفنّي هو في حدّ ذاته بناء وبالتالي فانّه يستغرق وقتا طويلا نوعا ما، لذلك فانّ التسرّع في انهاء عملا فنيا (قد) يؤدّي الى نتيجة غير مرجوة. وحسب تجربتي فانّ التأنّي يجعل العمل الفني اكثر ثباتا وبنّاءًا لانّ التسرّع، وخاصّة عندما لا يظهر العمل في النهاية ما يصبو اليه الفنان، يُغرق الفنان في عالم قلق ومشاعر مزعجة والشعور بالإحباط.

والصبر ضروري ليبقى الفنان داخل العملية الإبداعية والوثوق بها حتى يبقى الفنان مستمتعا بمراحل عمله وسيرورته، ويترك له الفرصة لتحسين تقنياته وإيجاد نمط تعبيري خاص به والذي يبني عليه مشروعه الفنّي الأشمل وهو ما يميزه عن باقي الفنانين.

-      سمة أخرى اراها مهمة الا وهي "التنظيم"، فحسب رأيي، لا يمكن انجاز العمل الفني في مناخ فوضوي فالفوضى لا تخلق فنا وفي المقابل من الضروري انشاء نظام لفضاء العمل.

تنظيم العمل له العديد من الإيجابيات من ذلك حسن استغلال الفرص المتاحة ويسمح للفنان بالتحرر من الضغوطات العرضية والتركيز على عمله المخطط له بدل تشتيت الانتباه في ما حوله مما يسبب له الإحباط والقلق.

من جهة أخرى، فالفنان المحترف يعرف جيّدا أهمية التنظيم، ولذا تراه يعمل على تنظيم اعماله وأرشفتها وتصنيفها تبعا للخامة والتقنية والمقاييس والأسلوب وزمنية انتاجها وغير ذلك من معطيات فنية، كلّ ذلك يساهم في تجلي الاعمال الفنية واكسابه للوقت والمجهود.

-      من السمات الأخرى، انْ يولي الفنان المحترف اهتمام كبير بالجانب التجاري من الممارسة الفنيّة بنفس القدر اهتمامه بالجانب التقني والابداعي، واحترافيّا يكون الفنان ملزما بجدول مواعيد للمعارض على المدى القريب والبعيد.

والجانب التسويقي مهم للفنان للتعريف بنفسه والتموقع في الحركة التشكيلية وبالتالي فانه تراه ينشر اعماله عبر المواقع الاجتماعيّة، ويتحدّث عن توجهاته ورؤاه الفنية في كل مناسبة وتظاهرة ثقافيّة حتّى يتمكّن من فرص لمزيد من المبيعات.

انّ هذا الجانب يستوجب تضحية وجدّيّة رغم انه يؤثر الى حدّ ما في حياته المهنية والشخصيّة واحيانا على صحّته، وفي المقابل فانّه يحقق له التوازن بين العمل والفن. 

-      ليكون شخصا ما فنّانا لا ينتظر الالهام، فيجب عليه التركيز على العمل المتواصل وعلى أفكاره وتقنياته والتنفيذ، وعندما نقول العمل يعني أنْ نمارس الفن بدون ان ننتظر الالهام للبدء فالممارسة تأتي بالالهام. فالعمليّة الابداعيةّ هي ممارسة واستمرارية واستكشاف، من خلال تحويل الأفكار الى اعمال فنّيّة ابداعيّة.

-      كما ذكرت سابقا، انّ ايّ عملا انسانيّا قابلا للنقد، وخاصّة في المجال الفنّي الذي تتحكّم فيه آليّة الذّوق الجمالي، لذلك فالفنان ستعترضه أناس من مختلف الاعمار ومختلف التوجهات والرؤى لذلك فيجب ان يتكيّف مع المشاعر المختلفة.

لذلك على الفنان ان يتقبّل نقد المتلقّي بصدر رحب ويحاول فهم نقده او انتقاده، ولا يجب جعل النقد يخرج الفنان عن مساره بتعلّة انجاز العمل الفنّي على اهواء الآخرين بل يجب ان يتمسّك بكلّ ثقة بالنفس برؤاه ويدافع عنها بالفعل والممارسة والعرض.

-      وفي النهاية نذكر الاستمارية والديمومة، لانّ الشخص لا يولد فنانا، فصفة فنان تترسّخ على مدى طويل وربما يستغرق سنوات حتى يصل الى تكوين "اسم" في عالم الفن، فالاستمرار

والعمل الدؤوب والاستعداد والتواضع هي من الأسلحة التي يواجه بها عالمه الداخلي والمجتمع.

-      وان كان له القدرة على كلّ ذلك قدْ يصل الى جزء مهم في مسيرته الفنيّة واكتسب شيئا من روح الفنان.

 

في الأخير، أشكرك على اتاحتي الفرصة لنتحادث عن الفن والثقافة

تمنياتي لكم بمسيرة فنية رائقة وانت فنان واعد ننتظر منك الكثير

تحياتي

  الطالب: إبراهيم شوريه

سنة ثالثة فنون تشكيلية - اختصاص خزف

المعهد العالي للفنون الجميلة بتونس

السنة الجامعيّة: 2022/2023